سورة الشورى - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26)}
{الَّذِينَ} في موضع نصب، أي ويستجيب الله الذين آمنوا، أي يقبل عبادة من أخلص له بقلبه وأطاع ببدنه.
وقيل: يعطيهم مسألتهم إذا دعوه.
وقيل: ويجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض، يقال: أجاب واستجاب بمعنى، وقد مضى في البقرة.
وقال ابن عباس: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} يشفعهم في إخوانهم. {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قال: يشفعهم في إخوان إخوانهم.
وقال المبرد: معنى {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} وليستدع الذين آمنوا الإجابة، هكذا حقيقة معنى استفعل. ف {الَّذِينَ} في موضع رفع. {وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}.


{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
فيه مسألتان: الأولى: في نزولها، قيل: إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق.
وقال خباب بن الأرت: فينا نزلت، نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت. {لَوْ بَسَطَ} معناه وسع. وبسط الشيء نشره. وبالصاد أيضا. {لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} طغوا وعصوا.
وقال ابن عباس: بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس. وقيل أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا» وهذا هو البغي، وهو معنى قول ابن عباس.
وقيل: لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع.
وقيل: أراد بالرزق المطر الذي هو سبب الرزق، أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء، فيقبض تارة ليتضرعوا ويبسط أخرى ليشكروا.
وقيل: كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض، فلا يبعد حمل البغي على هذا. الزمخشري: {لَبَغَوْا} من البغي وهو الظلم، أي لبغي هذا على ذاك وذاك على هذا، لان الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بقارون عبرة. ومنه قوله عليه السلام: «أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها». ولبعض العرب:
وقد جعل الوسمي ينبت بيننا *** وبين بني دودان نبعا وشوحطا
يعني أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتغابن. أو من البغي وهو البذخ والكبر، أي لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد. {وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ} أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم.
وقال مقاتل: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ} يجعل من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا.
الثانية: قال علماؤنا: أفعال الرب سبحانه لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب على الله الاستصلاح، فقد يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزوى عنه الدنيا، مصلحة له. فليس ضيق الرزق هوانا ولا سعة فضيلة، وقد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح. والامر على الجملة مفوض إلى مشيئته، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى.
وروى أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي وإني لاغضب لهم كما يغضب الليث الحرد. وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ولا بد له منه. وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته. وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه لدخله العجب فأفسده. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإني لادبر عبادي لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير». ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني برحمتك.


{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو ويعقوب وابن وثاب والأعمش وحمزه والكسائي {ينزل} مخففا. الباقون بالتشديد. وقرأ ابن وثاب أيضا والأعمش وغيرهما {قنطوا} بكسر النون، وقد تقدم جميع هذا. والغيث المطر، وسمي الغيث غيثا لأنه يغيث الخلق. وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها. وغاث الله البلاد يغيثها غيثا. وغيثت الأرض تغاث غيثا فهي أرض مغيثة ومغيوثة. وعن الأصمعي قال: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسألت عجوزا منهم: أتاكم المطر؟ فقالت: غثنا ما شئنا غيثا، أي مطرنا.
وقال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها! قلت لها كيف كان المطر عندكم؟ فقالت: غثنا ما شئنا. ذكر الأول الثعلبي والثاني الجوهري. وربما سمي السحاب والنبات غيثا. والقنوط الإياس، قاله قتادة وغيره. قال قتادة: ذكر أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قحط المطر وقل الغيث وقنط الناس؟ فقال: مطرتم إن شاء الله، ثم قرأ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا}. والغيث ما كان نافعا في وقته، والمطر قد يكون نافعا وضارا في وقته وغير وقته، قال الماوردي. {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} قيل المطر، وهو قول السدي. وقيل ظهور الشمس بعد المطر، ذكره المهدوي.
وقال مقاتل: نزلت في حبس المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا، ثم أنزل الله المطر.
وقيل: نزلت في الاعرابي سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المطر يوم الجمعة في خبر الاستسقاء، ذكره القشيري، والله أعلم. {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} {الْوَلِيُّ} الذي ينصر أولياءه. {الْحَمِيدُ} المحمود بكل لسان.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11